ملخص البحث
الحمد لله الذي جعل في مآثر السلف معالم للخلف ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم ، وبعد فإن في تأريخ السلف عبرا للخلف ، وتقفيا لآثار السلف ، وكل أمة لا ماضي لها لا حاضر لها ، وعندما قص الله أنباء الأمم والرسل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، أتبع ذلك بقوله : { وَكُلًّا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ } فما أحوج الخلف أن ينقب في مآثر السلف ، ويأخذ ما هو مفيد .
ومدينة الحمراء من مدن عمان ذات العراقة، ومن المعلوم أن كل شبر في عمان حافل بالأمجاد ومدينة الحمراء من بلدان الجوف التي هي أكثر بلدان عمان علماء، وأوسعها علما .
وقد طلب مني أن أتكلم عن العلماء الذي ظهروا قبل الدولة البوسعيدية أي من القرن الأول الهجري وإلى القرن الثاني عشر الهجري وقد فتشت في كتب الآثار والسِّير والتاريخ فوجدت الكثيرمن علماء هذه المدينة أكثرهم شهرة الإمام الكبير أبو سعيد، محمد بن سعيد الناعبي الكدمي – رحمه الله – فهو من هذه المدينة بلا خلاف، كما وجدت شخصية علمية تنسب إلى كدم ألا وهو الشيخ عمر بن أبي الحسن الكدمي ، وأظنه من علماء أواخر القرن السادس الهجري وبداية السابع الهجري، كما أن من هذه المدينة المشايخ آل مداد الذين تبوأوا مكانة علمية وروحية من القرن الثامن الهجري وإلى القرن الثاني عشرالهجري وكانوا أصحاب علم واجتهاد وأدب، ولهم فتاوى في الأثر في منهاج العدل للشيخ عمر بن سعيد المعد وفي كتاب الإيجاز للشيخ السيجاني، وفي خزانة العباد وفي التبيان للشيخ درويش بن جمعه المحروقي، وأصلهم من كدم من قبيلة النعب التي هي من أقدم القبائل في كدم، ثم انتقلوا إلى نزوى، وأولهم جدهم الشيخ فضالة، وله فتاوى في الأثر في بيان الشرع، وهي من زيادات النساخ، ثم مداد بن فضالة، وقد تسلسل العلم فيهم إلى القرن الثاني عشر الهجري.
كما عثرت على عالم آخر اسمه الشيخ صالح بن محمد بن عمر بن عبد الرحمن القري، ولا أدري هل هو منسوب إلى القرية من قرى كدم أم إلى قبيلة بني قرة، الله أعلم، وسأتكلم عن هذه الشخصيات بانفراد، وهناك شخصية علمية مختلف فيها ، وهو الشيخ أبو الحواري محمد بنى الحواري القري، من علماء القرن الثالث الهجري، ولكن لا مانع من ذكره وأرجح أنه من القرية، ﻹن علماء عمان كانوا ينسبون أنفسهم إلى بلدانهم أكثر من انتسابهم إلى قبائلهم .
وسأبدأ أولا بالشيخ العلامة أبي الحواري رحمه الله فهو من علماء القرن الثالث الهجري واسمه محمد بن الحواري بن عثمان القري كما أن هذه الكنية كني بها الحواري بن عثمان من علماء القرن الرابع الذي عقد الإمامة لسعيد بن عبدالله بن محمد بن محبوب رحمهم الله، وهناك أبو الحواري مروان بن زياد فلا أدري من هو المقصود وقد ذكر الشيخ المؤرخ البطاشي نقلا عن بعض المشايخ أن بالقرية من كدم مسجدا يسمى مسجد أبي الحواري وبيت يسمى بيت أبي الحواري، ومال يسمى مال أبي الحواري، ولكن لا يدرى إلى من هي منسوبة هذه الآثار، هل هي إلى أبي الحواري القري، وهذا هو الظاهرأم إلى إبي الحواري بن مروان ، ومما يستأنس إلى أن كدم فيها جملة من أهل العلم قول الشيخ محمد بن مداد الناعبي حيث قال :
وفي كدم منا مشايخ جمة بنوا لبني الإسلام مجدا ومفخرا
فهذا يدل على أن كدم كانت تزخر بعلماء أجلاء في القرون الأولى كالشيخ أبي الحواري القري والشيخ أبي سعيد الناعبي رحمهما الله وقد انتقل الشيخ أبو الحواري إلى نزوى وأخذ العلم عن الشيخ محمد بن محبوب والشيخ محمد بن جعفر الإزكوي، وعن الشيخ أبي المؤثر الصلت بن خميس الخروصي وهو من أشهر شيوخه وقد يستأنس بهذا أنه من كدم لأخذه العلم عن الشيخ أبي المؤثر رحمه الله، وكذلك أخذ العلم عن الشيخ نبهان بن عثمان النزوي .
وأما تلاميذه فأشهرهم الشيخ أبو الحسن وأظنه أبا الحسن محمد بن الحسن النزوي شيخ الشيخ أبي سعيد ، ومما يستأنس أن أبا الحسن هو محمد بن الحسن ما نقله الشيخ أبو سعيد رحمه الله عنه قال أبو سعيد رحمه الله : ( سئل أبو الحسن رحمه الله عن ولاية أبي الحوراي قال : إذا لم أتول أبا الحواري فمن أتولى ؟ صحبته ستين سنة ولم نعلم منه هفوة ، ولا يستبعد أن يكون الشيخ محمد بن روح الكندي النزوي من تلاميذ أبي الحواري رحمهما الله ، وأما مؤلفات أبي الحواري جامع أبي الحواري وهو مطبوع في خمسة أجزاء وله زيادات على كتاب جامع محمد بن جعفر ونسب إليه كذلك تفسير خمسمائة آية ، كما أن كتب الآثار مشحونة بأقوال واجتهادات أبي الحواري رحمه الله ( زهده وورعه ) وأما زهده وورعه فقد ذكره الشيخ السالمي رحمه الله حيث قال في جوهره في باب الزهد :
وأبو الحواري من حمال الأثب يأكــل لا لـعـدم النـشب
وربمـا علـيه قــــد تصــدقـــا وذاك في حل السراج أنفقا
ومن علماء الحمراء الشيخ الكبير أبو سعيد محمد بن سعيد الناعبي الكدمي من علماء القرن الرابع الهجري الذي أنقذ الله به المذهب من فتنة عصفت به فألف كتابه الإستقامة في الولاية والبرآءة، وكتاب المعتبر، كما أنه علق على كتاب الإشراف لابن المنذر النيسابوري الشافعي ، فحقق ودقق وخرج أقوال علماء المذهب الإباضي وسماه زيادات الإشراف وقد أثنى العلماء الذين جآءوا بعده وتأثروا به تأثرا كبير أمثال الشيخ جاعد بن خميس والشيخ سعيد بم خلفان الخليلي والشيخ نور الدين السالمي رحمهم الله.
ومن علماء الحمراء الشيخ عمر بن أبي الحسن بن أبي الصقرالكدمي من علماء القرن السادس والسابع الهجريين وله فتاوى في الأثر ومن هذه المدينة الشيخ يوسف بن طالب العبري من علماء القرن العاشر الهجري له فتاوى في الأثر في جامع التبيان للشيخ درويش بن جمعة المحروقي وكذلك ولده الشيخ العالم محمد بن يوسف بن طالب والي الإمام سلطان بن سيف على عبري ، ومن العلماء الشيخ العالم محمد بن علي بن مسعود بن لاهي العبري والي الإمام ناصر بن مرشد اليعربي على كدم من علماء القرن الحادي عشر الهجري وقد قتل شهيدا في خدمة الإمام العدل ناصر بن مرشد رحمهما الله .
ومن فقهاء الحمراء الشيخ بشير بن محمد بن علي بن مسعود العبري من فقهاء القرن الحادي عشر الهجري، ومن ولاة الإمام سلطان بن سيف بن مالك.
ومن علماء هذه المدينة الشيخ العالم خلف بن طالب بن علي بن مسعود العبري من علماء القرن الحادي عشر الهجري كان عالما جليلا ومن ولاة أئمة اليعاربةعلى منح ثم سمائل ثم مسقط ثم من مشايخ العلم الشيخ سالم بن خميس بن عمر العبري صاحب كتاب فواكه البستان من فقهاء القرن الثاني عشر الهجري فهذا مختصر عن علماء مدينة الحمراء .